بيان
الجمعية التونسية للعلوم الشرعية
وجمعية الخطابة والعلوم الشرعيّة
عن الفيلم الإيراني المشخّص لذات النّبي صلّى الله عليه وسلّم
إنّ لمقام نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم من القداسة والتعظيم في الدّين الإسلامي الحنيف ما يجعل المرء في إشفاق من أمره إن هو عرض لهذه الشخصية بما يسيء إليها أو يخلّ بهيبتها.
وإنّ ما أقدمت عليه جهات من محترفي السينما بدولة إيران من إنجاز فيلم شخّصوا فيه ذات النّبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وما تسعى إليه جهات أخرى في تونس من عرضه بقاعات السينما، يعدّ تجاوزا لحدود الله تعالى الّتي حدّها في التعامل مع رسوله الكريم، من وجوب الحذر من المساس بمقامه الشريف؛ لما في ذلك من طبع صورة وهيئة غير حقيقيتين للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أذهان النّاس، ونسبة أفعال له لم يقم بها وأفعال لغيره لم يقرّه عليها.
ونظرا لخطورة الأمر فإنّ الجمعية التونسية للعلوم الشرعية وجمعية الخطابة والعلوم الشرعيّة تذكّران بالفتوى الّتي أصدرها الشيخ محمّد الفاضل ابن عاشور ـ رحمه الله تعالى ـ مفتي الجمهورية التونسية (1962 ـ 1970)، في شأن تمثيل ذات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشخص آخر في أفلام سينمائية، وإسناد أعمال وأقوال إليه مصوغة صوغا خياليا على طريقة الأقاصيص والروايات، وفيها ما لم يثبت صدوره عنه صلّى الله عليه وسلّم، وقد فصّل الشيخ الحديث في ذلك بما خلاصته:
أنّ الفيلم إذا لم يشتمل على شيء من الاستنقاص والازدراء لا تصريحا ولا تلميحا، وإنّما يتضّمن أمرين:
الأوّل: إظهار شخص يمثّل ذاته الشريفة صلّى الله عليه وسلّم ويحاكيها في صورته وصوته وحركاته، حيث يتقمّص الممثّل شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويتصنّع أنّه هو، ففي ذلك إخلال بما أمر الله تعالى به من تعظيم مقامه صلّى الله عليه وسلّم عن أن يمثّل بغيره، أو يقرن بشخص سواه، فضلا عن أن يدّعى أنّ ذلك الشخص صار هو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ذاته وأقواله وأفعاله، جلّ قدره العظيم عن ذلك، وقد قال الله تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) النور:63 ، وقال سبحانه: ( وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) الحجرات:2. وفاعل ذلك يستحق التأديب والتعزير. وقد نبّه الشيخ في فتواه على أنّ مسألة تمثيل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشخص آخر قد طرحت قديما بين علماء أهل السنّة بما جلبه من كلام القاضي عياض في ذلك.
وأمّا الأمر الثّاني فنسبة كلامٍ وأفعالٍ وسكوتٍ عن أمور جرت بين يديه لم تصدر عنه، فهذا وما يتبعه من وقائع مركّبة ومترابطة يُعدّ من الافتراء على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن التقوّل على الشريعة الإسلامية؛ لأنّ أقواله وأفعاله وإقراراته سنّة، وهي كلّها مدارك الشريعة، واستدلّ بقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: “من تعمّد عليّ كذبا فليتبوّأ مقعده من النّار” (البخاري).
ثمّ خلص الشيخ رحمه الله تعالى في فتواه باعتبار هذين الأمرين، إلى أنّ تمثيل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الشريط السينمائي أمر محرّم لا يجوز الإقدام عليه، وإلى أنّه منكر يجب تغييره ومنعه والوقوف دون رواجه. وهي أوّل فتوى تصدر عن علماء أهل السنّة أي عام 1959 م(انظر: الفتاوى التونسية في القرن الرابع عشر الهجري: 1/306 ـ 309).
وعملا بما جاء في فتوى الشيخ محمّد الفاضل ابن عاشور في هذا الموضوع، فإنّ الجمعية التونسية للعلوم الشرعية وجمعية الخطابة والعلوم الشرعيّة تهيبان بكلّ أصحاب القرار بتونس أن يذودوا عن مقام رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيمنعوا عرض الفيلم الّذي يشخّصه.